خطباء الحماسة وبيوت السلامة

أضيف بتاريخ 09/16/2025
منصة المَقالاتيّ


يقول المؤرخون عن قيس بن عباد البصري إنه "كان يحرِّض الناس حتى إذا أهلكهم الله جاء فجلس في بيته". جملة قصيرة لكنها تُلخّص نموذجًا نعرفه جيدًا في زمننا: المحرّض الذي يوزّع الكلمات كالقنابل، ثم ينسحب آمنًا تاركًا الآخرين وحدهم في ساحة الخسائر.  

هذا المشهد يطلّ علينا اليوم من على الشاشات. فكم من أصوات تتصدّر الحديث عن غزة، ترفع الشعارات، وتغذّي المشاعر، وتطلق وعودًا أكبر من مساحة الأثير، ثم تكتفي بدور المتفرج من وراء الميكروفون؟ إنهم نسخ إعلامية محدثة من "قيس بن عباد"، يكتفون بتحويل المآسي إلى مادة خطابية، بينما يبقى الواقع أثقل من كل الثرثرة.  

الأزمة لا تحتاج إلى منابر تفيض بالحماسة، بل إلى مواقف تترجم ما بعد الكلام. أما أولئك الخطباء المأجورون بالأضواء، فما هم إلا "أبطال الكلام" الذين يملأون الفراغ الضاجّ، ويعودون سالمين إلى بيوتهم، كأن شيئًا لم يحدث.  


في ترجمة قيس بن عُباد/أبو عبد الله الضبعي القيسي البصري (نحو: ٩٠ هـ): كان "يحرِّض النَّاسَ حتى إذا أهلكهم الله جاء فجلس في بيته".